الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أي تصوّت.ومنه مكَتِ است الدابة إذا نَفخت بالريح.قال السُّدِّي: المُكَاء الصفير، على لحن طائر أبيض بالحجاز يقال له المكاء.قال الشاعر: قتادة: المُكَاء ضرب بالأيدي، والتّصدية صياح.وعلى التفسيرين ففيه ردّ على الجهال من الصوفية الذين يَرقُصون ويُصَفّقون ويصعقون.وذلك كله منكر يتنزّه عن مثله العقلاء، ويتشبّه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت.وروى ابن جُريج وابن أبي نَجيح عن مجاهد أنه قال: المُكَاء إدخالهم أصابعهم في أفواههم.والتّصدية: الصّفِير، يريدون أن يُشغلوا بذلك محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الصلاة.قال النحاس: المعروف في اللغة ما رُوي عن ابن عمر.حكى أبو عبيد وغيره أنه يقال: مَكَا يَمْكُو مَكْوًا ومُكاء إذا صَفّر.وصَدّى يُصدّى تصدية إذا صفق؛ ومنه قول عمرو بن الإطنابة: أي بالتصفيق.سعيد بنُ جبير وابن زيد: معنى التّصدية صدّهم عن البيت؛ فالأصل على هذا تصددة، فأبدل من أحد الدالين ياء. اهـ.
قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون.وقال مجاهد: كان نفر من بني عبد الدار يعارضون النبي صلى الله عيله وسلم في الطواف ويستهزءون به ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون.فالمكاء: جعل الأصابع في الشدق، والتصدية: الصفير.وقال جعفر بن ربيعة: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله: {إلا مكاء وتصدية}، فجمع كفيه ثم نفخ فيهما صفيرًا.وقال مقاتل: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قام رجلان عن يمينه يصفران ورجلان عن يساره يصفقان ليخلطوا على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته وهم من بني عبد الدار.فعلى قول ابن عباس كان المكاء والتصدية نوع عبادة لهم، وعلى قول غيره كان نوع أذى للنبي صلى الله عليه وسلم، وقول ابن عباس أصح، لأن الله سبحانه وتعالى سمى ذلك صلاة.فإن قلت كيف سماها صلاة وليس ذلك من جنس الصلاة؟قلت: إنهم كانوا يعتقدون ذلك المكاء والتصدية صلاة فخرج ذلك على حسب معتقدهم وفيه وجه آخر وهو أن من كان المكاء والتصدية صلاته فلا صلاة له فهو كقول العرب من كان السخاء عيبة فلا عيب له وقال سعيد بن جبير: التصدية صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام وعن الدين والصلاة فعلى هذا التصدية من الصد وهو المنع وقوله سبحانه وتعالى: {فذوقوا العذاب} يعني عذاب القتل والأسر في الدنيا.وقيل: يقال لهم في الآخرة فذوقوا العذاب {بما كنتم تكفرون} يعني بسبب كفرهم في الدنيا. اهـ.
أقام مقام العطاء القيود والسّياط كما أقاموا مقام الصلاة المكاء والتصدية، وقال ابن عباس: كان ذلك عبادة في ظنهم، قال ابن عطية لما نفى تعالى ولايتهم للبيت أمكن أن يعترض معترض بأن يقول كيف لا نكون أولياءه ونحن نسكنه ونصلي عنده فقطع الله هذا الاعتراض، {وما كان صلاتهم} إلا المكاء والتصدية كما يقال الرجل: أنا أفعل الخير، فيقال له: ما فعلك الخير إلا أن تشرب الخمر وتقتل أي هذه عادتك وغايتك قال: والذي مر بي من أمر العرب في غير ما ديوان أنّ المكاء والتصدية كانا من فعل العرب قديمًا قبل الإسلام على جهة التقرب والتشرع، وروي عن بعض أقوياء العرب أنه كان يمكو على الصفا فيسمع من جبل حراء وبينهما أربعة أميال وعلى هذا يستقيم تعييرهم وتنقيصهم بأن شرعهم وصلاتهم وعبادتهم لم تكن رهبة ولا رغبة إنما كانت {مكاء وتصدية} من نوع اللعب، ولكنهم كانوا يتزيّدون فيها وقت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ليشغلوه وأمته عن القراءة والصلاة، قال ابن عمر ومجاهد والسدّي: والمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، وعن مجاهد أيضًا المكاء إدخالهم أصابعهم في أفواههم والتصدية الصفير والصفير بالفم وقد يكون بالأصابع والكف في الفم قاله مجاهد وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وقد يشارك الأنف يريدون أن يشغلوا بذلك الرسول عن الصلاة، وقال ابن جبير وابن زيد: التصدية صدهم عن البيت، وقال ابن بحر: إنّ صلاتهم ودعاءهم غير رادّين عليهم ثوابًا إلا كما يجيب الصدى الصائح فتلخص في معنى الآية ثلاثة أقوال: أحدها: ما ظاهره أن الكفار كانت لهم صلاة وتعبّد وذلك هو المكاء والتصدية، والثاني: أنه كانت لهم صلاة ولا جدوى لها ولا ثواب فجعلت كأنها أصوات الصدا حيث لها حقيقة، والثالث: أنه لا صلاة لهم لكنهم أقاموا مقامها المكاء والتصدية، وقال بعض شيوخنا: أكثر أهل العلم على أنّ الصلاة هنا هي الطواف وقد سمّاه الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة، وقرأ إبان بن تغلب وعاصم والأعمش بخلاف عنهما {صلاتهم} بالنصب {الإ مكاء وتصدية} بالرفع وخطا قوم منهم أبو علي الفارسي هذه القراءة لجعل المعرفة خبرًا والنكرة اسمًا قالوا: ولا يجوز ذلك إلا في ضرورة كقوله: وخرّجها أبو الفتح على أنّ المكاء والتصدية اسم جنس واسم الجنس تعريفه وتنكيره واحد انتهى، وهو نظير قول من جعل نسلخ صفة لليل في قوله: {وآية لهم اليل نسلخ منه النهار} ويسبني صفة للئيم في قوله: وقرأ أبو عمر وفيما روي عنه إلا مكابًا بالقصر منوّنًا فمن مدّ فكالثغاء والرغاء ومن قصّر فكالبكا في لغة من قصّر والعذاب في قوله: {فذوقوا العذاب}، قيل هو في الآخرة، وقيل هو قتلهم وأخذ غنائمهم ببدر وأسرهم، قال ابن عطية: فيلزم أن تكون هذه الآية الأخيرة نزلت بعد بدر ولابدّ، والأشبه أنّ الكلّ بعد بدر حكاية عن ماض وكون عذابهم بالقتل يوم بدر هو قول الحسن والضحاك وابن جريج. اهـ.
يروى أنهم كانوا إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي يخلطون عليه بالصفير والتصفيق ويرون أنهم يصلون أيضًا.وروى أنهم كانوا يطوفون عراة الرجال والنساء مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون.وقال بعض القائلين: إن التصدية بمعنى الصد، والمراد صدهم عن القراءة أو عن الدين أو الصد بمعنى الضجة كما نقل عن ابن يعيش في قوله تعالى: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] والمأثور عن ابن عباس وجمع من السلف ما ذكرناه.نعم روى عن ابن جبير: تفسير التصدية بصد الناس عن المسجد الحرام، وفيه بعد، وأبعد من ذلك تفسير عكرمة لها بالطواف على الشمال بل لا يكاد يسلم، والجملة معطوفة إما على {وَهُمْ يَصُدُّونَ} [الأنفال: 34] فتكون لتقرير استحقاقهم للعذاب ببيان أنهم صدوا ولم يقوموا مقام من صدوه في تعظيم البيت، أو على {وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ} [الأنفال: 34] فتكون تقريرًا لعدم استحقاقهم لولايته.وقرأ الأعمش {صَلاَتِهِمْ} بالنصب وهي رواية عن عاصم وأبان، وهو حينئذ خبر كان ومكاء بالرفع اسمها، وفي ذلك الإخبار عن النكرة بالمعرفة وهو من القلب عند السكاكي، وقال ابن جني: لا قلب ثم قال: لسنا ندفع أن جعل اسم كان نكرة وخبرها معرفة قبيح وإنما جاءت منه أبيات شاذة لكن من وراء ذلك ما أذكره، وهو أن نكرة الجنس تفيد مفاد معرفته.ألا تراك تقول: خرجت فإذا أسد بالباب، فتجد معناه فإذا الأسد ولا فرق بينهما.وذلك أنك في الموضعين لا تريد أسدًا واحدًا معينًا وإنما تريد واحد من هذا الجنس، وإذا كان كذلك جاز هنا النصب والرفع جوازًا قريبًا كأنه قيل: وما كان صلاتهم إلا هذا الجنس من الفعل ولا يكون مثل قولك: كان قائم أخاك، لأنه ليس في قائم معنى الجنسية.وأيضًا فإنه يجوز مع النفي ما لا يجوز مع الإيجاب.ألا تراك تقول: ما كان إنسان خيرًا منك ولا تجيز كان إنسان خيرًا منك، وتمام الكلام عليه في موضعه {فَذُوقُواْ العذاب} يعني القتل والأسر يوم بدر كما روى عن الحسن.والضحاك، وقيل: عذاب الآخرة، وقيل: العذاب المعهود في قوله سبحانه: {أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ} [الأنفال: 32] ولا تعيين، والباء في قوله تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} للسببية، والفاء على تقدير أن لا يراد من العذاب عذاب الآخرة للتعقيب، وعلى تقدير أن يراد ذلك للسببية كالباء وأمر اجتماعهما ظاهر، والمتبادر من الكفر ما يرجع إلى الاعتقاد، وقد يراد به ما يشمل الاعتقاد والعمل كما يراد من الإيمان في العرف ذلك أيضًا. اهـ.
|